مقالات

يومنا الوطني واستحقاقات المرحلة .. ( لا وقتَ للتراشُق )

بقلم : سعد بن فهد السنيدي .. شقراء .

منذُ يومين ، وفي طريقي إلى مدينة أشيقر الغالية شاهدتُّ أعمدة الإنارة وقد ازدانتْ بالراية السعودية الخضراء ،  مُشمَخرَّةً في أجواء وَشمِنا الأغَر ، إشهاراً لفعاليَّات اليوم الوطني لبلادنا الأبيّة .. فَوراً عُدتُّ بالذاكرة إلى الوراء ، مُعتزَّاً ومُنتَشياً بالمُشارَكة المُشرِّفة لوالدي ـ يرحمه الله رحمة الأبرار ـ مع بعض أقرانه في توحيد أرجاء وطنهم العزيز ، وتحديداً ( مِسكُ الخِتام ) معركة جازان المُظفَّرة ، والتي أُرْغِمَ فيها الجيش اليمني المُسلَّح ، بقيادة زعيمه الشهير ( يحيى حميد الدين ) على الانسحاب التام ، عائداً إلى صنعائه بخُفَّي حُنين ، فأُعلِنَ على إثرها عن توحيد ( المملكة العربية السعودية ) في العام  1351هـ .. فاحتَفتْ المجالس النجديَّة الذوَّاقة بانتصارٍ حاسمٍ كهذا ، هاتِفةً صادِحةً بحربيَّة الشاعر الشقراوي الكبير عبد الله الصبي ( مبيلش ) يرحمه الله ، والتي منها :

          ذِيب يا لِّلي بخَشمِ طويق جيعاني …. جَتْك الأرزاق وجَرِّكْ للعوا خَلِّه !!

         دُوكِ ( يحيَى ) عُقُب هاكَ القِسا لانِي …. ساحبٍ كِن ما ( صنعاء ) بِملْكٍ لِه !!

           يا سحابٍ ثقيلِ النَّو غَضبانِ …. فوق صنعاء تَعرَّض والغَضَبْ هَلِّه !!

نعم سادتي الكرام ، بهذه المعركة الفاصلِة أُسدِلَ الستار عن مسيرة التأسيس المُضنِية ، والتي شهِدتْ ثِقةً مُتبادَلةً وتعاوُناً فريداً بين القيادة والشعب ، لِتنتقل الدولة بعدها إلى مرحلة الإيرادات النفطيَّة المُتعاظِمة والتعليم والتحديث ، والتي لا تَقلُّ أهميَّةً عن سابقتها ، وهكذا استمرتْ الخطط الاستراتيجيَّة ، والرؤى التنمويَّة ، والموازنات السنويَّة  إلى عصرنا ويومنا هذا ، والذي تَمرُّ فيه بلادنا وعموم الأقطار الخليجية بتحديَّاتٍ شائكةٍ وأزَماتٍ مُتفاقِمةٍ ، توجِبُ علينا التفافاً شعبيَّاً حَول قيادتِنا السياسيَّة وجهاتِنا الرسميَّة ، على أملٍ باتِّساع دائرة الوعي باستحقاقات مَرحلتِنا الراهنة البالِغة التعقيد ، لا سيَّما وأنَّ شعبنا الكريم يرقُبُ باهتمامٍ غير مسبوقٍ ما يُحاكُ للوطن الغالي مِن دسائسَ ومؤامراتٍ مُتسارعة ، تستلزمُ أخذ الحيطة والحذر ، واستحضار نِعَم الله وأفضاله الجِزال التي ما غابتْ ساعةً من نهارٍ عن مُخيِّلة الآباء والأجداد الذين ما فَتِئوا يُردِّدون { الآية الكريمة  المُعبِّرة } حِمايةً لنسيجهم الاجتماعي ، وجبهتهم الداخلية ، من عَبث العابثين وكيد الكائدين ، ومِن ثمَّ تسليم الراية للأجيال السعودية المُتلاحِقة ، مُواصِلين رحلة النَّماء والبِناء ، فكانوا خَير خلَفٍ لخَير سَلَف ، ووالله ما كانت لِتتُم هذه المسيرة النهضويَّة بهذه الانسيابيَّة المُبهِرة إلا بتوفيقٍ مِن الله وحده : { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } فرَحمة الله على تلك الكَوكَبة النادرة ، بقيادهُ الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود ، الذين ضحَّوا بالغالي والنفيس تحقيقاً للتلاحُم والتسامح ، واجتثاثاً للعُنصريَّة والعشائريَّة والفئويَّة ، جَسَّدها  شاعر مرات القدير حمد الحجي ـ يرحمه الله ـ قائلًا :

عُودُوا قليلًا إلى الماضي القريبِ خُطىً … عساكُمُ تُبصِرونَ الأعْصُرَ السُّودا

أيامَ كُنَّا وكان الجَهلُ يَغمُرُنا … والهمُّ يقتُلُنا والأمنُ مفقودا

لكنَّنا اليومَ في أمنٍ وفي سَعَةٍ … فلنَبنِ مَجداً يَظلّ الدَّهر مَشهودا .

مِن هذه المُنطلَقات والمُرتكَزات التاريخية ، هلَّا تسامَينا اليوم وبِحسٍّ وطنيٍّ صادقٍ عمَّا يُثار بين فَينةٍ وأخرَى مِن  تراشُقٍ وتطاحُنٍ فكريٍّ بئيسٍ بين ( أشباه المُثقفين ) الغارقين في أوحال  تيَّاراتهم البائدة ، ومناهجِهم المُستوردة الكاسِدة ( إسلاميَّةً كانت أم ليبراليَّة ) والتي طالما طعَنتْ خاصِرة الوطن في أحلك الظروف ، فمَجَّها السعوديون الشُرفاء ، ونفضوا أيديَهُم منها عن قناعةٍ تامَّة !! ثمَّ هَبْ أنَّ كِلا الفريقين أخذتهُما العزَّة بالإثم ولمْ يجتمعا على كلمةٍ سواء ، ألا يسعَهُما تأجيل خِلافاتِهما ، واعتزال وسائل التواصل ، والانزواء ـ ولو مؤقتاً ـ عن ساحتِنا الثقافية السعودية ، توقيراً لهيبة الوطن ومُواطنيه القَلِقين والمُنشَغلين بمُتابعة الاعتداءات الإرهابية الغاشمة ، التي استهدفتْ مُقدساتنا الدينية ، ومُنشآتنا النفطيَّة ، وبُنيَتنا الاقتصادية ، بل وتضامُناً ومُواكَبةً لتضحيات جنودنا البواسل ورجالنا الأفذاذ المرابطين على الحدود والثغور ، واحترازاً من اختراقنا واستغلال تناقضاتنا ، آملين أنْ نكونَ وقد تقدَّمتْ بنا السِّن ، قُدوَة تُحتذَى لأجيالنا الشابة !! وإلَّا فإنَّ أولئك الأمُّيين البُسَطاء الفُضَلاء ، الذين وضَعوا لَبِنات الوطن الأولى منذ تسعين عاماً ، أصدقُ انتماءً ، وأغزَرُ عِلْماً من ( بعض ) حاملي الماجستير والدكتوراه ، المُؤجِّجين للحزازات والأحقاد ، الضاربين بمصالح الوطن العليا عرضَ الحائط ، ممَّن لا همَّ لهُم إلا الدخول في النيَّات ، وتوزيع صكوك ( الغُفران والحِرمان ) و ( والوطنيَّة والوسطيَّة ) حسبَ مقاساتهم ورؤاهم الخاصة !!! .. سادتي الكرام : كَم يؤسفني ويُؤسف الغيارَى ( شرواكُم ) أنَّهُ في الوقت الذي يَمرُّ فيه الوطن بظرفٍ أمنيٍّ وسياسيِّ استثنائيٍّ تعرَّضتْ فيه مصادر الطاقة العالمية في محافظة ابقيق الشامخة إلى اعتداءٍ هَمجيٍّ غادرٍ ، كانت فيه حِسابات وتغريدات ( بعض ) فٌرَقاء مشهدنا الثقافي السعودي ، سادِرةً غارقةً في احتدامٍ وعِراكٍ بيزنطيٍّ لا ساحِلَ له !! حَول ( الصحوة )  و ( هيئة الترفيه ) !!! فأين الاتِّزان والتعقُّل ، وبُعد النظر ، وفقه الأولويات ؟؟!! .. وقد كان الأحرَى بأولئك الاتِّعاظ والاعتبار بمن سبقَهم ، فيَومَ أنِ اجتاح الغُزاة دولة الكويت الشقيقة منذ ثلاثة عقودٍ ، لمْ ينظروا إلى النُخَب الكويتية بعينٍ مؤدلَجةٍ ، ولمْ يفرِّقوا إطلاقاً بين ( الأحامد الأربعة المشاهير ) الأساتذة : أحمد الربعي ( العلماني ) وأحمد القطان ( الإسلامي ) وأحمد الجار الله ( الليبرالي ) وأحمد السعدون ( القومي ) بل وضعوهم جميعاً في سلَّةٍ واحدةٍ ، ليس على قائمة المطلوبين فحَسبْ ، بل تحتَ طائلة التصفية الجسديَّة الفوريَّة ، غيرَ آبهينَ بتاتاً بخلفيَّاتهم الفكريَّة !! وعليه فما أجمل الاستيعاب والتقارب ، والتآلف والتصالح ، تحت مظلَّة الوطن بقيادته الحكيمة ، مُمثَّلةً في ( أُسْرة آل سعود ) الكرام ، التي تُعدُّ بلا شكٍّ  صَمَّام أمانٍ للاستقرار السياسي ، والاستقلال السيادي ، ووحدة الصف ، وتماسُك الكيان . وعليه فإنَّ السمع والطاعة ، ولزوم الجماعة ، ضرورةٌ شرعيةٌ ، وحتميَّةٌ سياسيةٌ ، ومصلحةٌ وطنيَّة  .. اللهم وفق ولاة أمرِنا لكلِّ خير ، واحفظ بلادنا من كلِّ سوءٍ ومكروه ..

( هذا رأيي أعرِضُه ولا أفرِضُه ) ..

وتقبلوا تحياتي ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى