مقالات

مِن رجالات الوطن ( ابن شقراء ) إبراهيم عبد الرحمن الحميدي ( النشمي ) ..

 

{ هذا المقال الوثائقي منقول من صحيفة ( الشرق الأوسط ) في عددها الصادر بتاريخ ( 18 محرم عام 1430هـ ) .. يروي كاتبه سيرة أحد رجالات شقراء والمملكة الأفذاذ ، والذي ساهم في توحيد البلاد ، الرجل المحنَّك ( إبراهيم بن عبد الرحمن الحميدي ) الشهير بـ ( إبراهيم النشمي ) . المولود في شقراء عام 1313هـ .. نعيد نشره بمناسبة اليوم الوطني للمملكة } ..

بقلم : بدر الخريف

تحتفظ ذاكرة الوطن برجال كانت لهم إسهامات لافتة في مسيرة توحيد وبناء الدولة السعودية عبر رحلة كفاح وجهاد مع الملك المؤسس، أثمرت عن تأسيس كيان كبير وُضع له اسمٌ في خارطة الدول التي لها حضور مؤثر سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً، على مستوى العالم . وقد تتلمذ هؤلاء الرجال في مدرسة الملك عبد العزيز في مجالات الحرب والسياسة والإدارة وحققوا نجاحاً في المهام التي أوكلوا إليها، بعد أن زرع الموحّد فيهم الثقة والولاء والتفاني، فأخلصوا له، ووجدوا منه كل تقدير، كما وجد هؤلاء الرجال من القيادة السعودية، التي تولت إدارة البلاد بعد وفاة المؤسس، التقدير ذاته نظير ما أدوه من أعمال جليلة، وإسهامات لافتة في كثير من الجوانب المشرقة في التاريخ المحلي.
ويُعد إبراهيم النشمي، إحدى الشخصيات التي كان لها إسهام وافر في مسيرة التوحيد والبناء للسعودية من خلال توليه مهام حربية عديدة في مراحل التأسيس، إضافة إلى مشاركته في تثبيت الأمن في عدد من المناطق في تلك الفترة، وإشرافه على بعض مشاريع التحديث في الدولة الناشئة وتوليه عدداً من إمارات المناطق في مرحلة بدء التنظيمات الإدارية لحواضر البلاد وما بعدها.
سجل النشمي قبل التحاقه بالملك عبد العزيز، اسمه في قائمة التجار، من خلال ممارسته هذه المهنة مع «العقيلات»، وهم فئة من أهل نجد احترفوا التجارة والأسفار باستخدام الإبل، واكتسب من ذلك سماتهم العديدة وأبرزها اتساع الخبرة، القوة، الشجاعة، حُسن التعامل، وتحمل المشاق، إضافة إلى اكتساب ثقافات جديدة من البلدان التي كانت تصلها قوافل «العقيلات».
ودفعت شخصية النشمي الذي تفرغ لتجارة السلاح الرائجة في وقته بين المدينة المنورة وبلدان نجد إلى تعدد الآراء حول لقبه، حيث أشار مؤرخون إلى أن الملك عبد العزيز أطلق عليه هذا اللقب، حيث أبدل الملك الاسم من (إبراهيم الوشمي )، نسبة إلى بلاد الوشم التي ينتسب إليها، إلى (إبراهيم النشمي)، والنشمي مفرد نشامى، وهو الرجل المتكامل في خُلقه وذكائه ونبوغه.
واستقصى الدكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد، الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمؤرخ والباحث المعروف، عضو اتحاد المؤرخين العرب، سيرة النشمي، وجهوده في مسيرة توحيد وبناء السعودية من خلال مراسلات وخطابات وثائقية عن أعماله ومهامه عُدت مصدرا مهما يكشف جوانب من تاريخ السعودية في فترات التأسيس والبناء، والجهود التي بذلها الملك عبد العزيز في تثبيت الوحدة والأمن في البلاد وإدخال مشاريع التطوير والتحديث فيها.
وبدأ الباحث دراسته عن أحد رجال الوطن بتناول البدايات الأولى لبروز شخصية النشمي على ساحة التاريخ المحلي السعودي من خلال عرض ترجمته ونشأته وحياته المبكرة، ثم مناقشة أثره الفاعل في أحداث ضم المدينة المنورة إلى المملكة قبل 85 عاما، كما تم تناول جوانب أخرى في حياة النشمي وأعماله في تلك المرحلة المهمة للدولة الناشئة.
ولد إبراهيم (النشمي) بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن صالح بن محمد الحميدي، في ( مدينة شقراء ) حاضرة الوشم سنة 1313هـ، على الأرجح.
وقد تعددت الآراء حول لقب (النشمي)، فأبناؤه يرون أن سبب التسمية هو إطلاق والده هذا اللقب (النشمي) على ابنه الوليد إبراهيم، بعد أن بُشِّر بولادته تفاؤلا وتيمّنا برجولته وشجاعته وظفره، في حين استفاض في المجتمع النجدي أن سبب التسمية هو إطلاق الملك عبد العزيز لقب (النشمي) عليه بديلا عن لقب (الوشمي).
وقد أيّد الأديب المؤرخ عبد الله بن خميس ذلك بقوله «ولقد غيّر الملك عبد العزيز اسمه من إبراهيم الوشمي نسبة إلى بلاد الوشم إلى (إبراهيم النشمي)، واحد النشامى، وهو الرجل المتكامل في خلقه وذكائه ونبوغه».
وذكر الدكتور إبراهيم العتيبي في كتابه «تنظيمات الدولة في عهد الملك عبد العزيز»، نقلا عن رواية الشيخ عبد العزيز بن نميان أن المترجم له كان «اسمه الوشمي، لكن الملك عبد العزيز سماه النشمي لأفعاله».
وواقع الحال لا يقتضي وجود تناقض بين القولين فيما يبدو للباحث، إذ من المعروف شيوع استخدام ألقاب النسبة إلى البلدة أو الإقليم في المجتمع النجدي، فيقال مثلا: فلان الخرجي، وفلان الوشمي، أو فلان راعي الخرج، وفلان راعي الحوطة، وفلان راعي الوشم. وعلى هذا النحو يعلل الأمر بتأكيد الملك عبد العزيز على لقب النشمي بدلا من الوشمي، من باب مطابقة الاسم للمسمى، والصفة على الموصوف.
وقطعا للشك باليقين فقد اتصل الباحث الحميد بأبناء المترجم له، فأفادوا بأن لقب (الوشمي) ليس لقبا سابقا للنشمي، ولا علاقة له بلقب الأسرة.
من شقراء إلى الشام ومصر
* عاش النشمي طفولته في بلدته شقراء، وتعلم بها القراءة والكتابة بالوسائل المتاحة آنذاك، ثم انتقل إلى مدينة عنيزة بالقصيم، وأخذ يمارس التجارة والأسفار مع العقيلات بين القصيم والمدينة المنورة والشام ومصر.
وقد اشتهر العقيلات – وهم فئات من أهل نجد احترفوا التجارة والنقل في عصر استخدام الإبل في المواصلات – بسماتهم العديدة، وأبرزها اتساع الخبرة، والقوة والشجاعة، وحُسن التعامل، وتحمّل المشاق. ثم تفرغ النشمي لتجارة السلاح الرائجة آنذاك بين المدينة المنورة وبلدان نجد، رغم ما يحفها من مخاطر ومغامرات، نتيجة للأحوال السياسية المضطربة في أواخر العهد العثماني وعهد الأشراف. وكانت بداية اتصال النشمي بالملك عبد العزيز حينما اتفق مع مندوبه محمد بن صالح الشلهوب، مسؤول خزانة المالية على تزويد الملك بالبنادق والذخيرة، وذلك في نهاية الثلاثينات – من القرن الرابع عشر الهجري.
وقد نجح النشمي في مهامه الموكلة إليه، رغم ما تعرض له من سجن وإيقاف في المدينة، واكتسب خبرة واسعة بأحوال المدينة ورجالاتها، ومواطن القوة والضعف في إدارتها، مما جعله أهلا لثقة الملك عبد العزيز.
وعندما قرر الملك عبد العزيز، توحيد الحجاز وضمها إلى المملكة، زحفت قواته الظافرة إلى الطائف فدخلتها في شهر صفر 1343هـ (1924م)، بعد تراجع قوات الشريف حسين بقيادة ابنه علي في الطائف، ثم هزيمتها في الهدا، وأصبح في إمكان الجيوش السعودية مواصلة الزحف لدخول مكة المكرمة لتحقيق أهداف الملك عبد العزيز برفع المظالم عنها وبسط أحكام الشريعة بها. وقد دخل السعوديون مكة المكرمة في 17 ربيع الأول 1343هـ، بغير نية القتال، وكلهم بملابس الإحرام، ينادون بالأمان، بعد يأس الشريف حسين ومغادرته إياها وتنازله عن الملك لابنه علي، الذي تحصن في معقله الأخير في مدينة جدة.
وقد وضع الملك عبد العزيز استراتيجية خاصة لضم المدينة المنورة ربما سبقت خطتها بقليل خطة دخول الطائف ومكة المكرمة، وتتمثل هذه الخطة في تعيينه الأمير عبد العزيز بن مساعد آل جلوي، أميرا على حائل، وجعله مناطق القصيم والجوف وخيبر والحدود الشمالية تحت إمرته، وتزويده بالقوة الكافية والصلاحيات الواسعة.
ومن هذا المنطلق، كلف الأمير عبد العزيز بن مساعد بأمر من الملك عبد العزيز، إبراهيم النشمي في 11/2/1342هـ (1923م)، مسؤولا عن أعمال المدينة المنورة. وقد جاء هذا التكليف إثر مقابلات الملك عبد العزيز المتعددة مع النشمي وثقته به، ومعرفته بالمدينة المنورة، وتجارته بالسلاح مع أخيه ناصر من المدينة إلى القصيم والرياض، وعلاقاته الجيدة مع رجال القبائل المحيطة بالمدينة، خاصة حرب.
رسائل متكررة من الملك للنشمي
* وعين الملك عبد العزيز صالح بن محسن بن عذل (التحق بخدمة الملك عبد العزيز منذ عام 1906م وانتدبه الملك في مهمات سياسية عديدة) قائداً للقوة السعودية المتمركزة في الحناكية، وأناط به مهمة حصار المدينة المنورة.
وفي شهر ربيع الآخر سنة 1343هـ، وصلت إلى إبراهيم النشمي في الجبهة الرسالة الآتية من الملك عبد العزيز:
«من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم إبراهيم النشمي سلمه الله تعالى آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام مع السؤال عن حالكم لا زلتم بحال خير، أحوالنا الحمد لله جميلة، خطوطك الأولة والآخرة جميعاً وصلت، وجميع ما ذكرت كان معلوم، الله تعالى يبارك فيك ويوفقك للخير، وهذا هو الأمل بك، وأنا كثير ممنون وراضي منك. ومن قبل حنّا حالاً مثورين إلى مكة، وكنا آمرين على هجر حرب وأهل القصيم يثورّون (يتحركون) وعامدين إنهم يتوجهون إليكم، فيوم وردت علينا خطوطكم هالتالية وشفنا رغبتكم ورغبة الناس بوصول طارفة، وأنهم منقادين، وجهنا صالح بن عذل وخوياه، وحررنا معهم مكاتيب لجميع الناس من أشراف وقبائل وأهالي، وبيّنا لهم اللازم، وحرصنا على الانقياد واتباع الأمر، وطفحنا للبيارق تعارضنا بالدرب ويصير دربهم معنا إلى مكة، ولا بدكم متواجهين أنتم وابن عذل وخوياهم ومطلعين على الخطوط الذي معهم، ومخبرينكم بما أوصيناهم به من رأس ابن عذل كفاية. وحنّا ننتظر رجوع التعريف بوصولهم، وقومة أهل طرفكم معهم القومة التامة، والانقياد للسمع والطاعة حسب ما عرفناهم به، فأنتم احرصوا على ذلك، وصيروا مع صالح بن عذل يدا واحدة، وساعدوه في جميع الأمور، ولا حاجة أوصيك في ذلك، وأن تبين له جميع الموجودات الذي تدري عنها، لا تذخر شي، وهذي حسب التفطنة لك، وإلا ما تحتاج لتوصية، هذا ما لزم تعريفه ودمتم محروسين».
واعتبر الباحث الحميد أن هذه الوثيقة تحمل في طياتها دلالات ومضامين عميقة، منها وجود مراسلات متبادلة ومتكررة بين الملك عبد العزيز وقائده إبراهيم النشمي في جبهة المدينة المنورة، ومنها رضا الملك عن الخطوات والإجراءات التي قام بها النشمي، ومنها تنسيق مسير الملك عبد العزيز من الرياض إلى مكة المكرمة مع مسير البيارق من النواحي، ومنها اختيار الملك عبد العزيز لشخصية ذات تجربة قيادية ودبلوماسية فريدة لجبهة المدينة المنورة في شخص صالح بن عذل الذي كان يبلغ من العمر آنذاك قرابة السبعين عاماً، بينما كان مساعده النشمي لم يتجاوز الثلاثين إلا بقليل.
ومن مضامين هذه الوثيقة حرص الملك عبد العزيز – رحمه الله – على تماسك القيادة وانسجامها، وانقيادها للسمع والطاعة، ويتجلى ذلك في توجيهات الملك للنشمي حيال القائد ابن عذل.
وفي 12 جمادى الأولى 1343هـ وصلت رسالة جوابية إلى النشمي من الملك عبد العزيز مضمونها اطلاع الملك على إفادة النشمي بوصول صالح بن عذل وجنده، كما تناولت الرسالة خبر وصول الملك إلى مكة المكرمة بالسلامة، وخبر حصار الشريف علي في جدة، وقرب البشرى بدخولها.
ثم وصلت رسالة أخرى من الملك إلى النشمي بتاريخ رجب 1343هـ تتضمن اطلاع الملك على أخبار جبهة المدينة المنورة من طرف ابن عذل والنشمي، وخبر حصار الخصم في جدة، وتجهيز اثني عشر مدفعاً صوب قوات الشريف علي في جدة.
وانطلاقاً من استراتيجية الملك عبد العزيز العسكرية، فقد طلب الملك أن تتم محاصرة قوات الشريف في المدينة المنورة دون دخولها، أو الإضرار بأهاليها وسكانها، محافظة على حُرمتها وخصوصيتها.. مع الأخذ في الاعتبار تشديد الرقابة على تحركات الشريف. وقد جاء في رسالة من الملك إلى النشمي ما نصه:
«… أنت إن شاء الله دايم عرّفنا بأخباركم وفصّل لنا، لا تغفل عن شيء».
وفي منتصف شهر شوال 1343هـ، أمر الملك عبد العزيز صالح بن عذل بالتوجه شمالاً لقطع الإمدادات التي تصل الشريف في المدينة المنورة على محور سكة حديد الحجاز التي تمتد من دمشق إلى المدينة. في حين يبقى النشمي قائداً للقوات المتمركزة في مشارف المدينة في ضاحية العيون بقرب جبل أحد شمال المدينة.
ويبدو أن توجه صالح بن عذل إلى الشمال كان باقتراح منه للملك عبد العزيز بإبقاء النشمي على المدينة المنورة وتوجه ابن عذل إلى الشمال، ويفهم ذلك من سياق الوثيقة الآتية المؤرخة في 18 شوال 1343هـ:
«من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جناب الأخ المكرم إبراهيم النشمي سلمه الله تعالى آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مع السؤال عن أحوالكم لا زلتم بخير أحوالنا من كرم الله جميله، بعده الخط المكرم وصل وما عرفتم كان معلوم خصوصاً توجه صالح وتلزيمته لكم بطرفكم ففيك إن شاء الله البركة والسداد، ونصحك وجهدتك وشفقتك على الأمور اللي به مصلحة للمسلمين، فلا في ذلك عندنا أدنى شك، والاعتماد على الله ثم عليك، وأنت عوض النفس، ومن طرف زبن بن جديع (أمير لواء هجرة الدليمية من حرب) كتبنا له خط يمكث عندك، ويجري على ما دبرته عليه، وحرصناه على الاتفاق معك، وعدم الخروج عن شوفتك…».
وتشير هذه الوثيقة إلى أن النشمي أصبح قائداً للحصار مع تكليف زبن بن جديع بالمكوث في الميدان لمعاونته. وقد استمر الاتصال والتنسيق بين النشمي وابن عذل في الشمال، حيث طلب الملك من النشمي أن يرسل إلى ابن عذل أسلحة وذخائر: «.. يكون إن شاء الله تروح يجي ميه قلّه لم (إلى) ابن عذل قلول (ذخيرة) جبلي تدورون له قموع وبارود. أيضاً تشوف له عشرة آلاف فشكه (رصاصة) ألماني وعصملي، وتجعلها إن شاء الله عليهم مع رجاجيلهم تكاري عليها وترسلها..».
وهذا يعني أن عمليات ابن عذل الحربية في شمال الحجاز قد اقتضت طلب تعزيزات عسكرية تساعد على منع أي نجدات إلى قوات الشريف في المدينة. في حين واصل النشمي سياسة الحصار المرنة التي تكسب أكبر قدر من الأنصار والمتعاطفين داخل المدينة. وقد بعث الملك إلى النشمي مكتوباً يشجعه على هذه السياسة ويطلب إليه الاستمرار عليها مع التلويح باستخدام الحزم إذا لم تُجدِ المحاولات غير العسكرية:
«ما عرفت كان معلوم مخصوص من قبل أخبار المدينة، واجتهادك والسياسة معهم، وأنك إن شاء الله ترجي أنك تدخلها بسياسة، أرجي إن شاء الله يحقق علم الخير.. وأنت إن شاء الله فيك بركة لا تذخر الأمور الذي فيها حزم وفيها سياسة ودارجهم على كل علم، إذا الله هداهم هو المطلوب وإلا المسلمين مثل ما ذكرنا لك عازمين بعد الحج يرسلون لهم قوة كافية هم وغيرهم من أهل الجهات، وأنت إن بغيت تخبرهم أو تخبر غيرهم، ترى هذا أمر حقيقة إن شاء الله ولا فيه شك..».
حصافة ملك
* في أوائل سنة 1344هـ(1925م) كانت جيوش الملك عبد العزيز المحاصرة للشريف في المدينة تتوزع في ثلاث جهات: من الشمال في السافلة (العيون) معسكر النشمي، ومن الجنوب في العوالي معسكر عبد المحسن الفرم وأتباعه من حرب، ومن الجنوب في قباء معسكر فيصل الدويش وأتباعه من مطير. ويروي الأديب المؤرخ محمد حسين زيدان في ذكرياته عن المدينة، أن إبراهيم النشمي كان يبعث بأمر الملك عبد العزيز لرجال من المدينة ومنهم والده إلى مقر إقامته في بستان الزهرة في العيون، يتوارون في ظلمة الليل، فيقبلون لشراء ما يستطيعون حمله وما يقدرون على شرائه من حنطة وأرز وسكر وقد سهل لهم النشمي طريق الذهاب والإياب بعيداً عن مرمى مدافع الشريف المنصوبة على جبل سلع، وكان لذلك أثره الكبير على نفوس أهالي المدينة التي شحت فيها المؤن والأرزاق.. ويضيف زيدان أن ذلك كان من حصافة الرجل العظيم الملك عبد العزيز الذي سمح بفتح طريق السابلة إلى المدينة ليصبروا على الحصار، فيحصل الاستسلام طوعاً لا كرهاً.
كما يروي محمد بن إبراهيم النشمي عن والده أن الملك سلم والده رسائل مفتوحة يضع عليها اسم أي شخص يتعاون معه، ولذلك سلم إلى عدد من أعيان المدينة المنورة كتباً ومنهم صالح الدخيل وصالح الفضل وعبيد العامر المنيع وراشد السحيمي أمير السحمة من حرب وصالح القرضي ومرزوق بن قصبان من حرب وحمزة غوث وناصر الطيار.
هذه الخطة العسكرية الماهرة من قبل الملك عبد العزيز، التي طبقت تجاه المدينة المنورة دونما حركة عدائية أو تدمير أو تخريب، ساءت الشريف وأعوانه فلم يجدوا سوى أقلام الدعاية التي افترت الأكاذيب الباطلة في مصر والهند وبعض الأقطار الإسلامية، فأبرق الملك فؤاد ملك مصر في 11 صفر 1344هـ إلى الملك عبد العزيز يطمئن على حالة المدينة النبوية، وجاءه الجواب من الملك عبد العزيز في 16 صفر من السنة ذاتها يقول: «أشكر جلالتكم من صميم فؤادي على غيرتكم الدينية، وإني أقدر لجلالتكم ما شرحتموه في برقيتكم حق قدره. إن حرم المدينة المنورة كحرم مكة نفديه بأرواحنا وجميع ما نملك، وأن ديننا يحمينا من الإتيان بأي حدث في المدينة المنورة، وسنحافظ على آثار السلف الصالح وكل ما هو في المدينة مما يهم كل مسلم المحافظة عليه، إن العدو يريد أن يشوه سمعتنا ووجه جهادنا بما يفتريه من الكذب والبهتان، ويحاول أن ينال بالبهتان ما عجز عنه بالسيف ولكن الحق أبلج، والله مؤيد دينه وآخذ بنصرة أهله ولو كره المبطلون».
ثم كتب الملك عبد العزيز إلى النشمي يأمره باستقبال مندوب حكومة جلالة ملك إيران للكشف على تزويرات الأعداء الذين قالوا إن المحاصرين هدموا قبة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدافع ليرى بنفسه سلامة منهج الملك عبد العزيز، وقد طلب الملك من النشمي أن يوصل المندوب إلى بوابة المدينة ليستقبله رجال الشريف في داخلها، ومن الطريف أن الملك قد أمر بإكرام عسكر المدينة الذين يستقبلون المندوب في نقطة التبادل لدى البوابة. وهذا يدل على نبل أخلاق الملك وحسن مقاصده وثقته بسمو أهدافه.
ويعلق الأستاذ محمد حسين زيدان على قصة ذلك المندوب بأن الملك قد قبل التحدي بسلامة الحجرة الشريفة والقبة، ولذا رجع المندوب إلى جدة مبرقا إلى الامبراطور بصدق عبد العزيز. وأضاف زيدان بأن الملك عبد العزيز كان لا ينام ولا ينيم، لديه من العيون أو ما يخبره به النشمي وعبد المحسن الفرم ما أعطاه اليقين ليقبل التحدي.
أخفقت إذن سياسة حكومة الأشراف في حربها النفسية والإعلامية ضد الملك عبد العزيز في حصاره للمدينة، وزاد في الإخفاق قبل ذاك محاولات قائم مقام المدينة الشريف شحات إقناع الحكومة بانتصارات وهمية على القوات السعودية. فقد أرسل إلى حكومته البرقية التالية:
«المدينة في 21 من ذي القعدة 1343هـ، جلالة الملك المعظم، جهزنا عبدكم ولدنا مع عسكره وبعض من حرب على النشمي فكسروه وأسروا أربعة أنفار من جماعته، أبشركم بذلك سيدي».
تنظيم الأمور الإدارية للمدينة قبل دخولها ولكن واقع الحال في المنطقة آنذاك، كان يشير إلى سوء الحالة العسكرية والمعنوية لدى هذا الجانب، مقابل الانتصارات المتلاحقة في شتى الميادين في الجانب السعودي، بل إن الملك عبد العزيز أخذ في تنظيم الأمور الإدارية للمدينة المنورة قبيل دخولها ببعث أحد كبار علمائه وهو الشيخ عمر بن سليم إلى النشمي في 2 ربيع الأول ليجلس للقضاء ويتابع أمور الدعاوى بين الناس إلى أن يتم دخول البلدة.
وكان لوجود فيصل الدويش وأتباعه في قباء والعوالي بعض الأثر في قلق أهالي المدينة المنورة، خاصة بعد سماعهم بوجود مصادمات بينه وبين أهالي العوالي من بادية وحاضرة، فأمر الملك عبد العزيز فيصلا الدويش بمغادرة الجبهة ورحيله إلى نجد، ويدل على ذلك الوثيقة الآتية المؤرخة في 17 ربيع الآخر 1344 هـ الموجهة إلى النشمي:
«من عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل إلى جانب الأخ المكرم الأفخم، خطوطك المكرمة وصلت وجميع ما عرّفت كان معلوم من قبل الدويش مثل ما عرفناكم أمرنا عليه يشد (يرحل) وهذا الابن محمد بن عبد العزيز واصلكم معه من المسلمين الذين فيهم خير وبركة إن شاء الله، جعل الله قدومهم مقرونا بما فيه الخير للإسلام والمسلمين».
وتتضح أسباب رحيل فيصل الدويش وأتباعه من الميدان من خلال بعض مراسلات الملك عبد العزيز مع رجاله في الجبهة وقد جاء في إحداها:
«الدويش أمرنا عليه يشد موجب أن أهل المدينة هايبين منه، ولا هم آمنين وأحببنا أنه يشد تطمين لهم».
وقد أشار الريحاني في كتابه «تاريخ نجد الحديث» إلى تطور الأوضاع لصالح الملك عبد العزيز في جبهة المدينة المنورة، بقوله: «وعندما كان السلطان عبد العزيز في بحرة جاءه من المدينة المنورة رسول اسمه مصطفى عبد العال يحمل كتاباً من أمير المدينة الشريف شحات يعرض فيه التسليم، على شرط أن يؤمّن الأهلين والموظفين على أرواحهم وأموالهم، ثم يسأل السلطان أن يرسل أحد أفراد العائلة السعودية لهذه الغاية».
وفي رواية أخرى لسعود بن هذلول في كتابه «تاريخ ملوك آل سعود» إشارة إلى وصول اثنين من أعيان أهل المدينة المنورة أحدهما مصطفى عبد العال إلى الملك عبد العزيز في بحرة.
ورواية ثالثة لمؤرخ المدينة وأديبها علي حافظ إشارة إلى أن مندوبي أهالي المدينة هما ذياب ناصر ومصطفى عبد العال، وأن مقابلتهما مع الملك عبد العزيز قد تمت في الرياض.
الأمير محمد بن عبد العزيز قائداً عاماً لجبهة المدينة
* توجت مفاوضة أهالي المدينة المنورة مع الملك عبد العزيز بتكليف الأمير محمد بن عبد العزيز قائدا عاما لجبهة المدينة المنورة لتنفيذ مهمة دخولها سلما.
وبوصول الأمير محمد ورجاله إلى المدينة في 23 ربيع الآخر 1344هـ أمر الملك أن يتم اختيار مواقع مناسبة للجيش، وأن يوقف نشاط السابلة، ويمنع جلب البضائع في ضواحي المدينة حتى يتم دخولها.
كانت تلك التعليمات فحوى الرسالة الموجهة إلى النشمي في المدينة المنورة وقد جاء فيها:
«عرفت عن وصول الابن محمد ومنزلهم، وكذلك أخباركم صار معلوم عن الجميع، ومن قبل منزلهم لازم تحطون على بالكم ثلاثة أمور: الأول أن يصير بعيد عن الديرة. والثاني يكون متمكن من قطع السابلة عن الديرة. والثالث يصير طيب للجيش، لازم تحطون هالشروط على بالكم».
وهذه الخطة العسكرية المحكمة أحد شواهد عبقرية الملك القائد عبد العزيز، فالجيش القادم بقيادة الأمير محمد بحاجة إلى اختيار مواقع بعيدة نسبيا عن أسوار المدينة حتى لا يحصل احتكاك مباشر مع الحامية كما يبدو. والأمر الثاني وقف عمليات البيع والشراء في معسكرات القوات المرابطة حول المدينة التي استمرت في السابق مفتوحة للسابلة طول مدة الحصار، حتى لا تكون فرصة لنقل معلومات إلى الجانب الآخر في مرحلة ما قبل التسليم. والجانب الثالث في استراتيجية الملك العسكرية هو اختيار المواقع المناسبة للجيش والملائمة لأفراده من جميع النواحي.
وكانت الاتصالات والمراسلات تتم بين الملك وابنه محمد حول الوضع في الجبهة، ويتضح ذلك جليا من خلال معاتبة الملك للنشمي بقوله: «ذكر لنا محمد أن عندكم أخبار من المدينة ومكاتيب وأنت ما ذكرتها لنا يكون معلوم».
التسليم برغبة أهل المدينة
* وأمام رغبة أهل المدينة بالتسليم للأمير محمد بن عبد العزيز ومعارضة الحامية لهم، شدد الأمير الحصار على الحامية، فبقيت متماسكة مدة عشرة أيام، وبعد مرور هذه المدة بدأت المشادة بين الشريف علي في جدة وحامية المدينة، ويفهم ذلك جليا من خلال البرقيات المتبادلة بشأن الإسراع بالمؤن والمال للجنود وتدبير طائرة تحوم فوق الأجواء لرفع معنويات الحامية.
ولما تيقن رجال الحامية أنه لا فائدة ترجى من نجدة الشريف علي في جدة، وقد بلغ بهم الضيق مبلغه قرروا التسليم. فأرسل قائد الحامية عبد المجيد، ومدير الخط الحديدي عزت رسالة إلى الأمير محمد بن عبد العزيز يطلبان ملاقاته وأنهما سيخرجان إليه في صباح يوم الجمعة 18 جمادى الأولى. وفي هذا الموعد تم الاتفاق بين الأمير محمد وهذين القائدين على التسليم والأمان للجنود والأهلين وإعلان العفو العام. وفي صباح يوم السبت دخل الأمير ناصر بن سعود الفرحان وعبد الله الفضل ومدير الخط الحديدي وفرق من الجنود، فتم استلام القلاع والثكنات والذخائر والدوائر ووضعوا في كل منها قوة من الجيش الظافر. وفي صباح يوم الأحد 20 جمادى الأولى دخل الأمير محمد بن عبد العزيز بجنوده وراياته المدينة المنورة واتجه إلى المسجد النبوي للصلاة فيه، وشكر الله تعالى، ثم أتى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلّم، وبعد ذلك أمر بتوزيع المؤن والمال على الأهالي.
ويروي الأديب المؤرخ محمد حسين زيدان في ذكرياته، صورا مشرقة من الهدوء والاستقرار وتوفر الأرزاق، وعودة الأهلين إلى بلدتهم بعد فرارهم عنها، ثم قيام الأمير محمد بتأسيس النظام وترتيب الأجهزة الحكومية، مبقيا على المسؤولين السابقين في مناصبهم وأعمالهم.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى رسالة جوابية من الملك عبد العزيز إلى ابراهيم النشمي تتضمن الشكر لله تعالى على ما مَنّ به من تيسير دخول البلدة الطاهرة:
«والخط المكرم وصل، وما عرفت كان معلوم، خصوصا ما منّ الله به من فتح المدينة المنورة، وما أجريت مع أهلها الحمد لله رب العالمين، نرجو الله أن يوزعنا شكر نعمه، وأن يجعله عز دايم وتوفيق ملازم، والواجب علينا جميعا الاعتراف بنعم الله، والاستكانة والخضوع له سبحانه وتعالى على ما أولانا من جزيل النعم، فنرجوه أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال».
قام النشمي بمهام عسكرية كثيرة بعد مشاركته الفاعلة في أحداث ضم المدينة، حيث أشار الدكتور الحميد إلى المهام القيادية التي أوكلت إليه ومنها ترتيب الأمور العسكرية للهجانة التي بدأت نواة تشكيلها بصفتها قطاعا عسكريا عام 1344هـ، وزعت على المدن الرئيسية في الحجاز، ونص نظام الهجانة الصادر في 1346هـ، على مرابطة وحدات الهجانة في الأماكن التي تحدد لها، وعدم مبارحتها إلا بإذن من النيابة العامة في الحجاز.
وفي عام 1347هـ صدر أمر الأمير فيصل بن عبد العزيز – نائب الملك في الحجاز آنذاك – للنشمي بترتيب الأمور العسكرية للهجانة، وقد جاء مضمون الرسالة الموجهة من الملك عبد العزيز إلى النشمي: «وصلنا كتابكم المؤرخ 19 رجب سنة 1347هـ وما ذكرتم به كان لدينا معلوم خصوصا ما ذكرتم عن أمر الولد فيصل عليكم مع الربع الآخرين بخصوص مسألة تنقيح العسكر وترتيبهم على الوجه المطلوب. وقد باشرتم ذلك إن شاء الله موفقين لما فيه الخير. والحقيقة أني ممنون جدًا من همتكم ومساعيكم أولاً وتالي، ولا شك أن هذا من توفيقكم بارك الله فيكم..)) وأسهم النشمي بمهام أخرى، حيث تم تكليفه بمهمة تثبيت الأمة في شمال المملكة. وتحقيق الاستقرار في حدود البلاد الشمالية، ومتابعة وتسهيل أمور رعايا الملك عبد العزيز في الحدود مع شرق الأردن، إضافة إلى مهمة تثبيت الأمن في جنوب البلاد وإنهاء حركات التمرد هناك والمشاركة في الحرب وصد الأعمال العدوانية في حدودها مع اليمن وبعد تحقيق النصر في الجبهتين الشرقية (عسير ونجران) انتهى النزاع القائم بتوقيع معاهدات بين الطرفين السعودي واليمني في 6 صفحات 1934م وفتح صفحة سلمية جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وإثر نجاح الملك عبد العزيز في ضم الحجاز بدأت مرحلة جديدة من التنظيمات في عام 1925م، حيث تم تعيين النشمي أميراً على ينبع وكان من مهمات الإمارة ترتيب وصول الحجاج والزوار الذين يختارون القدوم عبر ينبع مع معتمد الملك عبد العزيز في مصر، واستمرت إمارة النشمي على ينبع إلى عام 1928 ليعود بها إلى مكة لقيادة القوة الموجهة على ابن فاضل في بني مالك، ثم عهد إليه ترتيب الأمور العسكرية للهجانة، وفي عام 1929م أمر الملك عبد العزيز النشمي بالبقاء في الجوف أميراً بالوكالة، إلى أن وصلته بعد أقل من عام تعليمات بتسليم ما في عهدته إلى الأمير تركي بن أحمد السديري الذي عينه الملك أميراً على الجوف مرة أخرى، ثم تولى في عام 1932، إمارة العلا، ثم إمارة تربة في عام 1933، ثم إمارة نجران (مرتين) الأولى لمدة سنتين من عام 1935 إلى عام 1937، والثانية لمدة عشر سنوات من عام 1955 إلى 1965م، ومارس النشمي في نجران مهمات عدة ليحقق الأمن والعدل وإنهاء المشاكل التي توجب الفتنة بين العباد والبلاد والقبائل، وفي ولايته الأولى لإمارة نجران وصلت إلى النشمي تعليمات بتسهيل مهمة عبد الله فيلبي في المنطقة ونصها: «واصلكم فيلبي معمدينه لاشغال لنا خارطة وغيرها، ويجب الاطلاع على أنحاء نجران من ضلع وسهل ومحلات وآثار، وجميع ما يطلب منكم تمشونه له إن شاء الله وسنعواله رجال طيبين يدلونه في طرفكم وفي تثليث وغيره، وما طلب وصوله منكم تساعدونه فيه حتى إذا صار عندكم سيارة والشيء تاصله السيارة اركبوه فيها، المقصود مسألة حطها على بالك فيلبي معمده يكتب لي كتابة عن الآثار وعن هالبلد، وأنا معتمد على الله ثم عليه وإذا قصر شيء ما عرفتوه به أو الدليلة الذي معه ما يعرف الآثار ولا يدل، وأخليتوا بشيء فأنتم «مخلين» بي وأنتم المسؤولين، عن هالمسألة، اعرف ترا عملي قبلي هذا ما له فيه مدخال (مثقال) حبة خردل كله لي ونقصه علي يكون عندكم معلوم، وأنت تعرف الإشارة ولا وراك حسوفة انشاالله، وهو يراجعك في ما يلزم، وأنت أحرص على أخذ خاطره وتسهيل طريقه وما احتاج له سنعوه له بلا تردد ولا توقف…».
كما تولى النشمي إمارة الخرج لمدة ثلاث سنوات من عام 1943 إلى عام 1946 ولكنه مكث في الخرج قرابة ثمانية عشر عاما من عام 1938 تولى خلالها أعمالا أخرى مديراً لأعمال الزراعة بالخرج ومديراً للقصور الملكية والضيافات بالخرج ثم مديراً لأعمال الزراعة الخاصة بالخرج.
وكان الملك عبد العزيز وراء فكرة مشروع الخرج الزراعي حين وجه وزيره عبد الله بن سليمان لتنفيذ مشروع زراعة الخرج في عام 1935 فجلبت الآلات والمضخات الحديثة لري مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.. وتضاعف الإنتاج الزراعي، فكان بذلك أول مشروع زراعي حديث في المملكة.
ونزولا على طلب الملك عبد العزيز قامت بعثة أميركية زراعية بزيارة المدن والقرى السعودية ومن بينها الخرج في عام 1942 وقدمت البعثة تقريرا وافياً عن الزراعة في المملكة والمقترحات اللازمة التطويرها. وعلى هذا النحو دخل النشمي تجربة جديدة في حياته الوظيفية وهي الاشتغال بالشؤون الزراعية.. ويبدو أن اختياره لهذه المهمة كان يهدف إلى تحقيق الانضباط والإشراف على الأعمال الزراعية الكبرى في الأراضي الجديدة المستثمرة. وقد ارتبط بهذه المهمات الجديدة قيام النشمي بالإشراف على مشروع مد الطريق بين الرياض والخرج في عام 1940م.
ثناء من معاصريه
* حظي النشمي بثناء معاصريه بسبب نجاحه في أعماله التي أوكلت له وتولاها بأداء حسن.
وعلى رأس هؤلاء الملك عبد العزيز الذي زرع الثقة والولاء والتفاني في نفوس رجاله وعماله.. ونستشهد في هذا المقام ببعض ما قاله الملك عبد العزيز عن النشمي في رسائله إليه ومنها: «.. بيض الله وجهك ما قصرت قمت بالواجب الذي يلزمك..»، «كل عمل جميل فعلته وبحول الله تعالى وقوته تحمد العاقبة..»، «لا شك أن أعمالكم طيبة ومرضية لدينا وهذا من توفيق الله بارك الله فيكم..» «.. الحقيقة أني ممنون جداً من همتكم ومساعيكم أولا وتالي..».
وقال الملك فيصل حينما كان نائب الملك في الحجاز عن النشمي في رسالة موجهة إليه مكلفاً بإحدى المهمات: «لذلك يقتضي الاستعداد والتهيؤ حالا لاستلام «مهام» العمل بما هو معروف عنكم من النشاط والاجتهاد».
وقال عنه الوزير عبد الله السليمان: «إن ابراهيم النشمي من الأشخاص الذين يستحقون التقدير من المسؤولين كافة وخاصة الذين عرفوا خدماته وبلاءه وإخلاصه للدولة».
توفي النشمي عام 1398هـ بعد مرض نقل على إثره إلى لندن للعلاج فتوفي هناك، ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة، ودفن في مقبرة العدل.
وقد خلف النشمي أحد عشر ابناً وثماني بنات، وأبناؤه هم:
صالح ومحمد ويوسف وعبد العزيز وعبد الرحمن وحمود وسعود وناصر وسعد وعبد الله وعبد الوهاب … انتهى .

( للمزيد من المعلومات عن هذه الشخصية بإمكانكم زيارة مكتبة دار التراث في محافظة شقراء ، والاستزادة من كتاب الدكتور عبد اللطيف الحميد )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى