مقالات

رحيل البدر .. وقضايا أخرى

بقلم : سعد بن فهد السنيدي .. شقراء ..

• في برنامج ( ربوع بلادي ) التلفزيوني، وتحديداً الحلقة الخاصة بشقيقتنا مدينة ( أشيقر) الغالية والتي سُجِّلتْ في العام ( 1402هـ ) وقعتْ عيني على صورة أخينا وزميلنا المحبوب ( بدر بن عبد المحسن المغيرة ) يرحمه الله رحمةً واسعة ، عرفناه جميعاً بأخلاقه العالية، ورجولته وشهامته، وابتسامته الصادقة، وسمعته الطيبة ، وتربيته الأصيلة في أسرته العريقة .. لا أريد اجترار الأحزان بعد ثمانٍ وعشرين عاماً ، لكنني لن أنسَى إطلاقاً تلك اللحظات العصيبة التي عشتُها مع زملائي في دار التربية الاجتماعية وأنا في عشرينات عمري، عاقدين آمالًا طوالًا، رافعين أكفَّ الضراعة أنْ يمنَّ الله عليه بالنجاة، مُتشبثين ببصيص أملٍ يشوبه قلقٌ بالغ ، لكن قدَرَ الله كان نافذاً فــ ( غاب البدر في ليلةٍ ظلماء، ملؤها الحزن والكآبة ) راحلاً من دار الفناء إلى دار البقاء … حضر بدر مع رفيق دربه الزميل العزيز (حمد بن محمد المنصور) صباح ذلك اليوم واستلما أوراقاً من مدير الإدارة، وقبل مغادرتهما وقفا على باب المكتب وودَّعانا بأدبٍ جم ( توصون على شيء من الرياض ) ومن ثمَّ اتجها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لإتمام إجراءاتٍ تخصهما، فإذْ به وداعاً أخيراً وفراقاً دائما ، حيث توفيا ـ عليهما شآبيب الرحمة ـ في طريق عودتهما إلى أشيقر إثرَ حادثٍ مروريٍّ شنيع مع ثلةٍ من شباب شقراء نشأوا في طاعة الله ، وذلك في نهاية شهر شوال من العام 1413هـ .. خيَّم الحزن والأسى على أشيقر ودار التربية خاصة، وسائر إقليم الوشم عامة، لا سيما عند مشاهدة اسميهما الكريمين يومياً على كشف الحضور والانصراف، فما كان من مدير الإدارة إلا أن أمرَ بإعادة الطباعة خاليةً من الاسمين العزيزين في محاولةٍ لتخفيف الصدمة وتناسي المصيبة .. نعم سادتي الكرام ، هذا ما تفعله الأخلاق بأصحابها ( يرحلون لكنهم في القلوب باقون ) فصَدقَ فيهم قول القائل :

ما كلُّ مَن رحلوا غابوا فكمْ رحلَتْ … أجسام قَومٍ وهمْ في القلب سُكَّانُ!!
بعض العبادِ له ذكرَى مُعطَّرةٌ … فكلُّ أخبارهِ وردٌ وريحانُ

اللهم اجمعنا بشبابنا الخمسة في مستقر رحمتك، والحمد لك على قضائك .. ( تنويه : بدأتُ مشواري الوظيفي في دار التربية ، ومن ثمَّ انتقلتُ إلى إدارة الأحوال المدنية ، وتقاعدتُ فيها ) .

• اعتزازاً بما يمرُّ به الوطن الغالي من نهضةٍ تقنيَّةٍ مُتسارعة، ونقلةٍ إداريةٍ فريدة، فإنني لا أذيعُ سرَّاً إنْ قلتُ : طالما أخذتني الغيرة والحميَّة إبَّان ترؤسي قسم الإضافات في الأحوال المدنية بشقراء، خاصةً عند اطلاعي على شهادات الميلاد الخليجية المُبهرة ، متسائلاً: ماذا ينقصنا كي نحظى بمثل هذه الشهادات العصرية، المُلفتة للأنظار، المتميزة بخطها الحاسوبي الواضح ، وورقها الصقيل الجميل؟؟ لكننا اليوم وبفضلٍ من الله نرى بلادنا السعودية قد صنعتْ الفارق، واجتازتْ تلك الدول جمعاء بمسافةٍ شاسعة، وعلى أصعدةٍ ومجالاتٍ شتَّى، في هبَّةٍ معلوماتيَّةٍ وتطويريةٍ مُذهلة، وفي زمنٍ قياسيٍّ فاق التوقعات ( استثمار المجال التقني باحترافيةٍ عالية، والتكامل الفريد بين أجهزة الدولة لمواجهة جائحة كورونا أنموذجاً ) ولمْ يتأتَّ ذلك إلا بالإرادة الصلبة، وتقديم الصالح العام، والتخطيط السليم، وتفعيل الجانب الرقابي، والتظافر المحمود بين الحاكم والمحكوم .

• أوصي شبابنا الكرام باقتناء وقراءة هذه الكتب القيِّمة علَّها تُساهم في الارتقاء بأدائهم الوظيفي وثقافتهم الإدارية ، وجميعها مُترجمة ومُتوفرة لدى مكتبة جرير : (قواعد الإدارة)..(مديرٌ لأول مرة)..(كشف خبايا الإدارة)..(27تحديَّاً يواجهها المديرون) .. لا ترددوا في قراءتها .

• انبرى جمعٌ من فُضلاء مدينتنا إلى حماية البيئة، ونشر الوعي والثقافة البيئية، ومما لا شك فيه فإن هذه الخطوة المباركة مستقاةٌ من تعاليم ديننا الحنيف الذي حثَّ على النظافة وإماطة الأذى عن الطرقات والحفاظ على الأشجار والنبات، لذا فإن من حقوقهم علينا دعمهم إعلامياً بإعادة تغريداتهم ، والإشادة بجهودهم، ودعوة المجتمع إلى التعاون معهم، باعتبار ما يقومون به دليلٌ قطعيٌّ على وطنيتهم الصادقة .. شكراً وافراً لـ ( رابطة شقراء الخضراء ) وغيرهم من حرَّاس البيئة .. وبانتظار المزيد ..

• في مسيرتك الوظيفية ربما تعاني كثيراً جرَّاء تطبيقك الأنظمة واللوائح والتعاميم، لكنك في المقابل ستنعمُ براحةٍ كبرَى بعد تقاعدك، حين تطمئن نفسك لأداء الأمانة، وسلامة اجراءاتك الخالية من ( الشق والبعج ) و ( المجاملات العمياء ) التي من المؤكد سيتم نبشها وبعثها من مرقدِها ذات يوم !!

• للوجهاء والمديرين وأصحاب الشأن، صفةٌ اعتباريَّة ومكانة اجتماعية ، لذا فإن من المروءة والرجولة توقيرهم أمام الرأي العام ، والإشادة بمنجزاتهم وعطاءاتهم، مؤكداً أنَّ هذه الأساليب الحضارية ( المُجرَّبة ) بوابةٌ فسيحة لتقبِّل الانتقادات، واستقبال الملاحظات، وتنفيذ الأفكار والمقترحات ..

• لعل من الأفضل في أزمنتنا المتأخرة ، العمل بهذه القواعد الاجتماعية الشائعة : ( الانسحاب جُبْنٌ إلا في ثلاث مواضع : الانسحاب من نقاشٍ عقيمٍ لا نتيجة له . ومن علاقةٍ رديئةٍ لا مُستقبَل لها . ومن مكانٍ لا يَعرف أهلُه قيمتَك ) .. ( احتفظْ بالذي يختاركَ حين تكون لحظاته مليئة بالآخَرين ) .. ( يُعْجَبون بك ثمَّ يُحبونك ، ثمَّ يَملّون منك ويتركونك ، هذه هي طبيعة البشر ، إنهم يتغيرون كالفصول ، ونحن علينا أنْ نرتدي ما يُناسب كل فصل ) ..

• إذا رأيتَ شاباً بعد زواجه زاهداً في بيت أهله الذي نشأ وترعرع فيه، مُتثاقلاً الذهاب إليهم، والاستئناس بهم، لا يمنح والديه وذويه إلا ( الوقت بدل الضائع ، وفُتات الفُتات ) فاعلمْ أنَّ ( طوفان التطنيش والتهميش ) سيجتاحكَ لا محالة، فــ ( احزم أمتعتك وغادر ).

• احترام العمالة الوافدة بجنسياتهم ودياناتهم المُختلفة والتلطف معهم، ومنحهم حقوقهم ومستحقاتهم، مطلبٌ إنساني لا جدال حوله، فالحذر الحذر من الانزلاق في تشويه سمعة دينك ووطنك ، جرَّاء قسوةٍ وغِلظةٍ وإهانةٍ لا مُبرر لها ..

• استقل بشخصيتك، ولا تكن كسمكٍ ميتٍ تتقاذفه الأمواج ، واحذر السقوط في مستنقَع ( التقديس والتدنيس ) فلا تُسلِّم عقلك إلى شيخ دينٍ، أو قناةٍ فضائية، أو مؤلف كتاب ، أو مُغردٍ مرموق، أو غيرهم من مشاهير الشرق والغرب ..

• أيُّ مصلحة تُرتجَى من إيقاد الأضغان والأحقاد بين مدن بلادنا، اعمل بكلِّ ما أوتيتَ من قوةٍ في تطوير مدينتك وتحديثها، والسعي في إنهاضها وإعزازها، ولا تُشغل نفسك بغيرها من المناطق والمحافظات، وليكن شعارنا ( القمة تَسَع الجميع) و ( من حصَّل شيء يستاهله) ..

هذا رأيي أعرِضُه ولا أفرِضُه .. وتقبلوا تحياتي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى