مقالات

معزوفة السماء والموسيقى الحلال

معزوفة السماء ..
” الموسيقى الحلال ” ..

الغيوم حينما تفرغ ما تحمله ويتساقط علينا مائها نبتهج هذا لأن بعض السقوط ( نعم )
هذا ما علمني إياه المطر أني حين أسقط أتعلم ، قربي من الأرض ذكرني من إين جئت ومما عجنت وإين مثواي ؟
سقطاتي هي التي بها ارتفعت وكبرت فوق عمري سنينًا كثيرة ، أسقط ثم أستند على راحتا يداي ثم أنهض ، لا ألتفت يمنه ويسرى حولي من رأني ومن لم يرني حين سقطت ، هذا لأني كنت منشغلًا أتكأ على يداي وأسند نفسي بنفسي وأتعلم الوقوف من جديد وأضرب التراب عن ثيابي وأكمل .

مع زخات المطر ورائحته التي لو كانت تباع في قوارير من زجاج لشتريت القوارير كاملة وأودعتها كلها عندي ما فرطت فيها .
رائحته فيها شيئًا مختلف لم أجده في متاجر العطور كلها ولا قلوب البشر .

فقط في الشتاء ومع المطر يخرج من فمي بخار الشتاء البارد وتتلون أرنبة أنفي بالأحمر ويهدأ شيء بداخلي ، تفاصيل أحبها كثيرًا .

وأستمع لتلك المعزوفة وقطعة الموسيقى (الحلال) التي تعزفها السماء في منتصف ليالي الشتاء .

قطعة موسيقى حلال لا يرافقها غناء ولا تعزفها الآلات إنما هدوء ورحمة شعور أن كل شيء بخير وسيأتي عليك صباح مليئ بالخيرات

( أنه صوت زخات المطر )

لما لا يكون الناس كالمطر لا نمل منه ؟ ويأتي محمل بالسعادة والعطاء ..
لا نريد أن يذهب وإن ذهب ننتظره ؟
لماذا بعض البشر حينما يذهبون لا يعودوا ؟

المطر يحمل الخير لنا والبشارات لماذا لا يتعلم الناس منه أن يكونوا سلامًا وخيرًا .

أتذكر حينما كنت صغيرة لا يتجاوز عمري بضع سنوات أني أجمع ماء المطر في قدح أضعه في الخارج وأنتظر حتى يمتلئ أشرب منه قليلًا ثم أغتسل وألعب به كنت أقول : الماء من ربي كان عنده والآن عندنا ، وأفرح حينما تبتل ثيابي ويغرق التراب تحتي ويخرج الطين ، أصنع تلال صغيرة وكورًا نلعب بها في الهوى كانت أيام بحجم عمري جميلة وحين تغوص قدماي في الطين كنت أظن أنها لن تخرج كنت أظن أنها أصعب مرحلة نمر بها ، بصعوبة أخرج وأتعذب ثم أعود للغوص لا أتوب ، ما كنت أعلم أنا حين نكبر تتكالب علينا أمور وليس الطين هو العثرة هناك صخور وحصى إن استطعنا تجاوزها فنحن نستحق أن نعيش .
المطر يعيدني لعقدي الأول ، للأرشيف الخاص الذي أتذكره دائمًا .
هو من يقدر أن يعيدني هناك لعمر ما قبل المدرسة .
في ذلك العمر فقط كنت أنظر للسماء أراقب المطر يتساقط أطيل الوقوف تكاد رقبتي تنكسر وقدماي تتنمل وأنا واقفة لا أمل من صنع ذلك مع كل مطر جديد .

هو الانتظار الجميل والصوت الهادئ ، تفتح أبواب السماء ويغسل المطر صدورنا ثم يذهب وهو الوحيد الذي يذهب ليعود ..

المطر .

 

 

بقلم / منى الثبيتي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى